تخطى إلى المحتوى

زيارة (الجزء الأول) : الجمارك في خدمتكم

ديسمبر 10, 2010

ارتجت الطائرة بعنف شديد ورقصت يميناً وشمالاً مقاومةً رياحاً قوية وهي تحاول الهبوط على مدرج مطار الدار البيضاء. لامست عجلاتها الأرض وإستطاعت المحركات قلب قوة الدفع وخفض السرعة بشكل كبير في حين اهتزت الكراسي والمقصورة بعنف شديد. حتى بعد توقف الطارة انتابني شعور غريبٌ (وقد يبدو سخيفاً) بأن الجو العاصفي وحده ليس وراء ذلك المخاض المرعب الذي عشناه. وكأن شيءاً خفيا يغلي تحت السطح.

داخل المغرب وخارجه تسارعت الأحداث هذه الأيام: تسريبات ويكيليكس، أحداث العيون وتداعياتها، الإنتخابات البرلمانية بمصر…. غليان. ثم أنباءٌ عن عاصفة مطرية تتجه نحو الدار البيضاء… يا ربي السلامة. في هذا الجو (والطقس) الدولي والمحلي المشحون إذن، زرت المغرب لحضور ورشة عمل حول وسائل الدفاع عن حقوق الناشطينٍ الرقميين المدنية.

سوف اشارك قراء هذه المدونة الأعزاء، في تدوينة مقبلة، أهم الدروس المستفادة من ذلك اللقاء الذي جمع نشطاء من المنطقة العربية بحقوقيين دوليين من الولايات المتحدة وبريطانيا.

خرجت إذن من المقصورة واتجهت نحو منطقة الجمارك وإذا بي أجد عدداً هائلاً من المسافرين (غالبيتهم سياح) ينتظرون أمام المكاتب. بعد نصف ساعة من الانتظار جاء دوري لتقديم جواز سفري لرجل الجمارك.

– “منين جاي آ سي هشام؟” خاطبني مبتسماً.
– “من باريس”.
أعاد النظر في جواز السفر، ثم إلى شاشة الحاسوب ثم عاود النظر إلي. أمعن النظر في الشاشة مرة اخرا ثم أخد بحك شاربه وكأنه حائر بين أمرين.
-“هل هناك من مشكل؟”. لم يرد على سؤالي وبادر بالمناداة على رجلٍ يرتدي زي الجمارك يبدو أكثر رتبة منه، يحمل جهاز إتصال بيده.

انتابني الشك: ماذا يجري هنا؟ فكرت في احتمالين إثنين: لا بد أن كتاباتي على الانترنت لم ترق للمسؤولين أو أن الورشة محل نقاط إستفهام. أخد الرجلان في النقاش بكلام لم أفهم فحواه. مرت الثواني ببطءٍ ورغم أني متأكدٌ أني لم أفعل شيئاً ألام عليه (تقريباً..)، إلا أن مخيلتي راحت تطير إلى أبعد الإحتمالات وأكثرها سخافة: يا ترى كيف هي الحياة داخل السجن؛ هل فعلاً هناك معاقل تعذيب؛ كيف يمكنني أن أعيش دون انترنت… مستحيل.

بعد حين، رفع الرجلان عينيهما نحوي، وكأنهما يكتشفان وجودي لأول مرة.

– “عندك ‘ لا كارت ‘ [البطاقة الوطنية] “؟

لم أكن متأكداً من توفري عليها لكن صوتاً داخلياً كان يهمس لي: إما عندك، إما مشيتي فيها!!

بحثت في حقيبتي ولم أجد إلا علبة سجائر فارغة، ملصقات تلك موروكو وبطاقات تعريف لأشخاص لم أعد أذكر أين وكيف التقيتهم. البطاقة، البطاقة… أين هي البطاقة! ولكن، لحظة … ما الداعي للبطاقة إذا كان لذي جواز سفر؟ … مشكلة هادي.

خلص. أمري لله: “ماعنديش ‘ لا كارت ‘ آ الشريف. ”

أخدا ينظرا مجدداً إلى الحاسوب وملامحهما تكاد تقول: حاولنا انقاذك ولكنك لم تساعدنا.

نقاش من جديد. كلام مبهم. صمت. في هذه الأثناء لم يصبح لذي أي شك أن الأمر خطير، وخطير جداً.

– “هاك آ سيدي الباس بور ديالك.”
– “ياك ما كين مشكل.”
– “لا، غير نمرة ديال الباس بور ديالك معطية لشي واحد آخر.”
– “آ الله يا خوية… طيارتوها منا خلعة.”

المشكل و ما فيه أن موظفاً أخطء فاعطى رقم جواز سفري لشخص آخر، والآن علي أن أقضي أياماً ثمينة من عطلتي القصيرة جداً داخل مكاتب الإدارة لمحاولة إصلاح الغلط.

مرحبا بكم في المغرب.

6 تعليقات leave one →
  1. ديسمبر 10, 2010 5:45 م

    ومن عدمي منا لا يروق هذا الفيلم في ذهنه عندما يزور البلد الحبيب?

    في الحقيقة راه حينت فكرشك لعجينة لي خفتي، كوكنت درويش وداخل سوق راسك ماعندك ما تخاف. المهم على السلامة !

    “النمرة ديال الباسبور عند شي حد آخر”… وناري على كذبة. البوليس ما تيعرفوش يكذبو…

    • ديسمبر 10, 2010 6:43 م

      شوف أسيدي أنا مواطن صالح، وما عزيزاش علية العجينة، و داخل سوق راسي… وبعدة ما كنهدرش مع الناس لي سميتهم فيها ثلاثة ديال الكلمات.

  2. ديسمبر 10, 2010 7:40 م

    طيرتيها خلها مني تانا ملي كنقرا في الموضوع 🙂
    لهذا أحب المغرب
    نرتكب أخطاء
    لكننا نصححها
    سائرين في الطريق الصحيح وأخطاؤنا قيد التصحيح
    سلامووووووو

  3. ديسمبر 10, 2010 9:38 م

    هههههه، قتلتيني بالضحك، ما بيكش فالتدوين الهزلي
    🙂

  4. فيفري 28, 2011 6:29 م

    خيبت.. كنت أنتظر الغرفة السوداء، والكشاف المسلط يلهب وجهك، ووراءه ظل أسود يقول: “اعترف”!

    حمدا لله على سلامتك 😀

اترك رداً على عصام إلغاء الرد